أبو حيّان التوحيدي واحد من ألمع مفكري العربية وأدبائها، حتّى أنّه لقّب بفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ذلك أنّ كتبه تجمع إلى عمق الفكرة أناقة العبارة ورشاقة الأسلوب، من أجل ذلك فإنّ بعض المؤرخين يلقبونه بالجاحظ الثاني، هذا فضلًا عن انتهاجه مذهب المعتزلة، وأبو حيّان على نباهة شأنه وسعة علمه، كان سيء الحظ في حياته مضطهدًا محدود الرزق، عمل بالوراقة والنسخ حينا، وفي خدمة الوزير ابن العميد، ثمّ الوزير الصاحب بن عباد حينا آخر ولم يلق كما تقول المصادر من أيّ منهما إلّا كل إهمال واحتقار، الأمر الذي دفع به أن يكتب فيهما كتابًا كبيرًا أسماه (أخلاق الوزيرين) أو (مثالب الوزيرين)، حيث نال منهما بقسوة.
لقد كان أبو حيّان خصيب الفكر كثير العطاء متبحرًا بعمق في عديد من ألوان المعرفة، وألّف أكثر من عشرين كتابًا من عيون الفكر العربي وآدابه، ولكن حين ضاقت به أسباب الرزق، حقد على الناس جميعًا وتبلور حقده عليهم في إحراق كتبه جميعًا، ولم يسلم منها إلّا ما كان في أيدي الناس.
اسمه الحقيقي هو علي بن محمد بن العباس، والذي للأسف لم نعثر فيما بين أيدينا من الكتب على ترجمة وافية لحياته، إلّا بعض القصص القصيرة المبعثرة هنا وهناك، فقد عجب ياقوت الحموي في أنّ مؤرخي الرجال لم يترجموا له، مع أنّه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، وكل ما تخبرنا عنه الكتب أنّه عاش نيفا وثمانين عامًا في شظف من العيش ومرارة الحرمان، وأنّه على نباهة شأنه ونبوغ علمه كان سيء الحظ في حياته، فقد عاش مضطهدًا محدود الرزق، فخدم الوزير ابن العميد الملقب بذي الكفايتين ويعنون بذلك كفاية السيف وكفاية القلم، وقد قام مقام أبيه العميد واستوزر لركن الدولة البويهي، ثمّ لمّا تولّى عضد الدولة نكبه وقتله سنة 366هـ، قام الوزير الصاحب بن عباد حينا آخر، وهو الصاحب أبو القاسم اسماعيل بن أبي الحسن عباد، كان وزيرًا لمؤيد الدولة أبي منصور بن بويه الديملي ثمّ وزيرًا لأخيه فخر الدولة أبي الحسن علي، وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء؛ لأنّه صحب مؤيد الدولة بن بويه منذ الصبا، ولم يلق من أيّ منهما إلّا كل إهمال واحتقار.
قال البعض أنّ الاحتقار الذي نزل في أبي حيّان كان يعود إلى خلل في نفسه وعدوه مسؤولًا بعض الشيء عن ذلك، فقد عرف عنه أنّه كان حقير الملبس، قبيح الهيئة، سيء العادة، تنقصه المرونة والتكيف مع محيطه، شأنه في ذلك شأن أمثاله من الأدباء والشعراء في ذلك العصر، أمثال أبي الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني، وابن الرومي الشاعر المتطير، ودليل ذلك ما جاء في كتاب الامتاع والمؤانسة على لسان صديقه أبي الوفاء المهندس عندما طلب الأخير من أبي حيّان أن يقص عليه كل ما دار بينه وبين الوزير أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي، من حديث وذكره بنعمته عليه في وصله بالوزير، حيث يقول أبو حيّان على لسان صديقه أبي الوفاء: "قلت لي أدام الله تعالى توفيقك في كل قول وفعل، وفي كل رأي ونظر، إنّك تعلم يا أبا حيّان أنّك انكفأت من الري، إلى بغداد في آخر سنة سبعين بعد فوات مأمولك من ذي الكفايتين عابسًا على ابن عباد مغيضًا منه مقروح الكبد".
المقالات المتعلقة بأبو حيان التوحيدي